بسم الله الرحمن الرحيم
أثناء شروع الإمام في الصلاة عصر يوم الأربعاء، وعندما تلفظ بتكبيرة الإحرام قُطع التيار الكهربائي عن محيط المسجد، فاضطر الإمام إلى إيجاز الصلاة كي لا ينفجر الناس من شدة الحر، واضطررت أنا عقب الصلاة إلى الخروج من المنزل لمقر عملي مصطبحاً عائلتي معي، إلى مكانٍ قريبٍ يحظى بالتكييف اللازم للتخفيف من شدة الحر .
وفي الطريق سألت ابنتي ريما ما مصير كوكبنا الأرض لو انطفأت الشمس يوماً ؟! قالت : سيعم الظلام، قلت والبرد، والبرد هنا مصطلح مجازي يفوق حتى درجة التجمد، ربما سندخل في مرحلةٍ جديدةٍ تتعدى برودة النيتروجين السائل الذي تقف على أعتاب برودته معلوماتي حيال التجميد وشدة البرد، ولا أدري هل يوجد في عالمنا المادي ما يفوق النيتروجين برودة أم لا ؟!
الله أعلم .
قالت لي : وهل ستتلاشى الشمس يوماً، لم أشأ أن أصل بها إلى مصير الكون حينما تقوم الساعة وتكوّر شمسنا فتندرس معالمها بتلاشي نورها وحرارتها، لكنني سقت إليها معلومات مجردة نطق بها بعض علماء الفلك بأن نجمتنا - الشمس - ستنطفئ يوماً ويخبو ضوئها تماماً، عقب بلايين السنين أو ملايين العقود ( وفق تخميناتهم المجردة ) فلا عبرة هنا بمحدودية الزمن !
حاولت أن أبسط لها المعلومات قدر الاستطاعة، فقلت : عندما تنطفئ الشمس أو تحتجب لأي سببٍ كان، سيتحول نهارنا ليلاً سرمدياً، وستنخفض درجة الحرارة بشكلٍ تدريجيٍ بطيءٍ نسبياً قبل أن تحث خطاها نحو التجمد، لا تنسين أن النباتات والأشجار والأزهار ستذبل ثم ستموت هي الأخرى، وباعتبار أن مصادر الطاقة آخذة في النضوب، فلن تعيش البشرية على التيار الكهربائي إلا بضعة أعوامٍ فقط، قبل أن ينفذ ما لديها من نفطٍ وفحمٍ، ولم أشأ الدخول معها في متاهات الطاقة النووية، لعدم استيعاب عقلها الصغير لهذا البديل المحدود !
لن نستطيع اللجوء مثلاً للطاقة الشمسية لأن الشمس قد توارت وخبا نورها كما أخبرتك من قبل، وما قلته عن مصادر الطاقة ( النفط، الشمس، الفحم ) ، أقوله عن الطاقة البديلة الأخرى كالرياح، فدرجات الحرارة المنخفضة للغاية ستؤثر بشكلٍ قاتلٍ على مراوح الهواء وبنيتها التحتية، وقد تحطمها البرودة تماماً وتكسرها، لأن المعادن تتأثر بارتفاع درجات الحرارة، أو بشدة انخفاضها كما قال أرباب الفيزياء، ولا يبدو البحر خياراً مطروحاً لتوليد الكهرباء بواسطة تياراته المتحركة، لأنه سيتجمد تماماً !
قالت : ونموت بعدها ؟!
قلت : ليس على الفور، سيدب الوهن في جسدك من شدة البرد، وتصابين بالشحوب وربما تزرق شفتيك لضعف الأوكسجين الذي أعتقد أنه سيتجمد داخل رئتيك ! ثم بعدها تحلقين في ملكوت الله الواسع !
قالت : يا ساتر يارب وقد تسممت أفكارها بحقيقة مصير البشرية المحتوم، وساء مزاجها، وتكدرت فرحتها، لكنها نسيت جميع ما دار بيننا من حديثٍ عند بوابة إحدى ملاهي الأطفال المغلقة ذات التكييف المنعش، وعدت أنا للاستمتاع بصيف الرياض المنعش كما جاء في إحدى دعايات تظليل الزجاج العاكس لنفاذ أشعة الشمس !
غير أنها كررت سؤالها لي اليوم على مائدة الغداء بقولها : متى ستخبو أشعة الشمس ؟!
أجبتها : لا تخشين هذه الظاهرة المرعبة، لأنها وفق توقعاتهم الفلكية القاصرة، لن تقع إلا عقب تلاشي أجسادنا داخل أجداثنا بملايين السنين !
أغرقت في تخيل آثار شدة البرد الذي سيعقب انكدار الشمس على البشرية، واسترجعت – أثناء إغراقي في تأملاتي - طرفةً نقلتها كتب التراث عن الأصمعي، مفادها أن إبلاً له ضلت فخرج يطلبها في البادية وكان البرد شديداً، وأثناء جده في الطلب رأى أعرابياً يصلي جالساً وعليه كساء وهو ينشد :
أيا رب إن البرد أصبح كالحاً – وأنت بحالي يا إلهي أعلم
فإن كنت يوماً في جهنم مدخلي - ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم
دخلت قبل أيام مع أحد الزملاء لمنفوحةٍ وهي من أحياء جنوب الرياض القديمة، والتي تبدلت أراضيها وحاراتها وشوارعها، بل وحتى سكانها، إذ استوطنتها عمالة لا تمت لأصل سكانها بصلة نسبٍ، حتى إن شاحنات العمالة أصبحت تسد بعض شوارعها الرئيسية وحاراتها، لفت نظري في تلك الزيارة انطفاء التيار الكهربائي عن بعض الحارات هناك وغرقها في الظلام الدامس، سألت صديقي ما الحكاية ؟!
قال لي : تعود الناس على هذا الإهمال من قبل الشركة أو الوزارة لا مشاحاة، إنها أحياء المهمشين من الناس، مرحباً بك يا سيدي في قاع المجتمع الذي تبرأ منه الجميع ! قلت له : لقد نشأت فيها قبل عقدين ويا أسفاه على تبدل الأحوال نحو الأسوء !
ذكرتني تلك الحارات الغارقة في ظلامها الدامس على ثرى أغنى دولةٍ نفطيةٍ، بانقطاع التيار الكهربائي المتكرر وبشكلٍ منتظمٍ عن العاصمة البنغلادشية لقلة ذات يد الحكومة، وكنت قد قطنتها لثلاثة أيامٍ فقط لظرفٍ خاصٍ، اقترح عليّ صديقي هناك تناول طعام العشاء في مطعمٍ إيطالي يقع وسط العاصمة البنغالية، حفاظاً على الصحة العامة من غلواء التسمم وفساد الطعام، لوهلةٍ ظننت أن زماننا المعهود قد توقف أو تلاشى !
أسر كاملة تقطن أشلاء كراتينٍ متماسكةٍ كيفما اتفق بالأسلاك والخيوط واللواصق العشوائية، وعلى ضوء شمعةٍ واحدةٍ كنت أرى من فتحات تلك القبور المؤقتة شبح أبٍ وأطفاله، أو أم وأطفالها، والأسوء من ذلك كله رؤية أسرٍ أو أطفالٍ يلتحفون السماء ويفترشون الأرض ! كان مسرح ظلٍ حقيقيٍ !
اللهم إنا نعوذ بك من الكفر والفقر، وغلبة الدين وقهر الرجال .
تقول التقارير الصحفية الصادرة اليوم الخميس، إن بعض مدن المنطقة الشرقية والقصيم وحائل، غرقت في ظلامٍ دامسٍ يوم أمسٍ بسبب عطلٍ مجهول المصدر أصاب محطات توليد الطاقة الكهربائية ! وبعيداً عن أية محاسبةٍ واستشعارٍ لمسؤوليةٍِ ومراقبةٍ لله في العمل ستكرر هذه المهزلة كثيراً .
الكاتب حسن مفتي ( الخفاش سابقا)
منقول من منتدى الصاعقه الرسمي